الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أي: جلودُها، ومثلُه: أي: بطونكم.و{مَنَّي} حالٌ من {العَظْمِ}. وفيه رَدُّ على مَنْ يقول: إن الألفَ واللامَ تكونُ عِوَضًا من الضميرِ المضافِ إليه؛ لأنه قد جُمع بينهما هنا وإن كان الأصلُ: وَهَنَ عَظْمِي. ومثلُه في الدَّلالةِ على ذلك ما أنشدوه شاهدًا على ما ذَكَرْتُ: قوله: {شَيْبًا} في نصبه ثلاثةُ اوجهٍ، احدُها:- وهو المشهورُ- أنه تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية؛ إذ الأصلُ: اشتعلَ شيبُ الرأسِ. قال الزمخشري: (شبَّه الشيبَ بشُواظِ في بياضِه وانتشارِه في الشعر وفُشُوِّه فيه، وأَخْذِه منه كلَّ مَأْخَذٍ باشتعال النار، ثم أخرجه مُخْرَجَ الاستعارةِ، ثم أَسْنَدَ الاشتعالَ إلى مكانِ الشِّعْر ومَنْبَتِه وهو الرأسُ، وأخرج الشَّيْبَ مميَِزًا، ولم يُضِفِ الرأسَ اكتفاءً بعِلْم المخاطب أنه رأسُ زكريا، فمِنْ ثَمَّ / فَصُحَتْ هذه الجملةُ وشُهِد لها بالبلاغةِ). انتهى. وهذا مِنْ استعارةِ محسوسٍ لمحسوسٍ، ووجهُ الجمع: الانبساطُ والانتشارُ.والثاني: أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْرِ، فإنَّ معنى {اشتعلَ الرأسُ} شابَ.الثالث: أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ، اي: شائبًا أو ذا شيبٍ.قوله: {بدُعائِك} فيه وجهان، أظهرُهما: أنَّ المصدرَ مضافٌ لمفعولِه، أي: بدعائي إياك. والثاني: أنه مضافُ لفاعلِه، أي: لم أكنْ بدعائِك لي إلى الإِيمانِ شَقِيَّا.{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)}.قوله: {خِفْتُ الموالي}: العامَّةُ على {خَفْتُ} بكسر الحاء وسكونِ الفاء، وهو ماضٍ مسندٌ لتاءِ المتكلم. و{المَوالي} مفعولٌ به بمعنى: أنَّ مَوالِيه كانوا شِرارَ بني إسرائيل، فخافَهم على الدِّين. قاله الزمخشري. قال أبو البقاء: (لابُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ، أي: عَدَمَ المَوالي أو جَوْرَ المَوالي).وقرأ الزُّهري كذلك، إلا أنه سَكَّن ياءَ {المَواليْ} وقد تَقَدَّم أنَّه قد تُقَدَّر الفتحةُ في الياء والواو، وعليه قراءةُ زيدِ بنِ عليّ {تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]. وتقدَّم إيضاحُ هذا.وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن جبير وسعيد بن العاص ويحيى بن يعمر وعلي بن الحسين في آخرين: {خَفَّتِ} بفتحِ الخاءِ والفاءِ مشددةً وتاءِ تأنيثٍ، كُسِرَتْ لالتقاءِ السَّاكنين. و{المَوالِيْ} فاعلٌ به، بمعنى دَرَجُوا وانقرضُوا بالموت.قوله: {مِن وَرَآئِي} هذا متعلِّقٌ في قراءةِ الجُمهورِ بما تضمنَّه المَوالي مِنْ معنى الفِعْلِ، أي: الذين يَلُوْن الأمرَ بعدي. ولا يتعلق ب {خَفْتُ} لفسادِ المعنى، وهذا على أَنْ يُرادَ ب {ورائي} معنى خلفي وبعدي. وأمَّا في قراءة: {خَفَّتْ} بالتشديد فيتعلَّق الظرفُ بنفسِ الفعل، ويكونُ {ورائي} بمعنى قُدَّامي. والمرادُ: أنهم خفُّوا قدَّامَه ودَرَجُوا، ولم يَبْقَ منهم مَنْ به تَقَوٍّ واعْتِضادٌ. ذكر هذين المعنيين الزمخشري. والمَوالي: بنو العمِّ يدلُّ على ذلك تفسيرُ الشاعرِ لهم بذلك في قوله: وقال آخر: والجمهورُ على {ورائي} بالمدِّ. وقرأ ابنُ كثير- في روايةٍ عنه- {وَرايَ} بالقصر، ولا يَبْعُدُ ذلك عنه فإنه قَصَرَ {شُرَكاي} في النحل كما تقدَّم، وسيأتي أنَّه قَرَأ {أَنْ رَاْه اسْتَغْنى} في العَلَق، كأنه كان يُؤْثِرُ القَصْر على المدِّ لخفَّتِهن ولكنه عند البصريين لا يجوزُ سَعَةً.و{مِن لَّدُنْكَ} يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب {هَبْ}. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ {وَليًَّا} لأنه في الأصل صفةٌ للنكرةِ فقُدِّمَ عليها.قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ}: قرأ أبو عمروٍ والكسائي بجزمِ الفعلين على أنَّهما جوابٌ للأمر إذ تقديرُه: إن يَهَبْ يَرِثْ. والباقون برفِعهما على أنَّهما صفةٌ ل {وليًَّا}.وقرأ عليٌّ أميرُ المؤمنين- رضي الله عنه- وابن عباس والحسن ويحيى بن يعمر والجحدري وقتادة في آخرين: {يَرِثُني} بياء الغيبة والرفع، و(أَرثُ) مُسْندًا لضمير المتكلم. قال صاحب (اللوامح): في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ. والتقديرُ: (يَرِثُ نبوَّتي إن مِتُّ قبلَه وأَرِثُه مالَه إنْ مات قبلي). ونُقِل هذا عن الحسن. وقرأ عليٌّ أيضًا وابن عباس والجحدري {يَرِثُني وارثٌ} جعلوه اسمَ فاعلٍ، أي: يَرِثُني به وارِثٌ، ويُسَمى هذا (التجريدَ) في علم البيان.وقرأ مجاهد: {أُوَيْرِثٌ} وهو تصغيرُ (وارِث)، والأصلُ وُوَيْرِث بواوين. وَجَبَ قَلْبُ أولاهما همزةً لاجتماعهما متحركتين أولَ كلمةٍ، ونحو (أُوُيْصِل) تصغيرَ (واصل). والواو الثانية بدلٌ عن ألفِ فاعِل. وأُوَيْرِث مصروفٌ. لا يُقال: ينبغي أن يكونَ غيرَ مصروفٍ لأنَّ فيه علتين الوصفيةَ ووزنَ الفعل، فإنه بزنة أُبَيْطِر مضارع بَيْطَر، وهذا مِمَّا يكون الاسم فيه منصرفًا في التكبير ممتنعًا في التصغير. لا يُقال ذلك لأنه غَلَطٌ بَيِّنٌ؛ لأنَّ (أُوَيْرِثًا) وزنُه فُوَيْعِل لا أُفَيْعِل بخلافِ (أُحَيْمِر) تصغير (أَحْمَر).وقرأ الزُّهْري {وارِث} بكسرِ الواو، ويَعْنون بها الإِمالةَ.قوله: {رَضِيَّا} مفعولٌ ثانٍ، وهو فَعِيْل بمعنى فاعِل، وأصلُه رَضِيْوٌ لأنه مِنَ الرِّضْوان. اهـ.
يريد (في أبي جاد) فدلّ بحطّي كما دلّ غيره بأبي جاد.وإنما أقسم اللّه بحروف المعجم، لشرفها وفضلها، ولأنها مباني كتبه المنزلة بالألسنة المختلفة، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأصول كلام الأمم، بها يتعارفون، ويذكرون اللّه ويوحّدون.وقد أقسم اللّه في كتابه بالفجر، والطّور، وبالعصر، وبالتّين، والزّيتون- وهما جبلان ينبتان التين والزيتون، يقال لأحدهما: طور زيتا وللآخر: طور تينا، بالسّريانية، من الأرض المقدسة، فسماها بما ينبتان- وأقسم بالقلم، إعظاما لما يسطرون. ووقع القسم بها في أكثر السور على القرآن فقال: {الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2]، كأنه قال: وحروف المعجم، لهو الكتاب لا ريب فيه. و{الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 1، 2]، أي وحروف المعجم لهو اللّه لا إله إلا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ [آل عمران: 2، 3]. {والمص} (1) {كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف: 1، 2]، أي وحروف المعجم، لهو كتاب أنزل إليك فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف: 2]، و{يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1، 2]. {وص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص: 1]، و{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، كله أقسام. وإن كان حروفا مأخوذة من صفات اللّه، فهذا فنّ من اختصار العرب، وقلّما تفعل العرب شيئا في الكلام المتصل الكثير إلا فعلت مثله في الحرف الواحد المنقطع. فكما يستعيرون الكلمة فيضعونها مكان الكلمة لتقارب ما بينهما، أو لأنّ إحداهما سبب للأخرى، فيقولون للمطر: سماء، لأنه من السماء ينزل ويقولون للنبات: ندى، لأنه بالندى ينبت، ويقولون: ما به طرق، أي ما به قوّة، وأصل الطّرق: الشحم، فيستعيرونه مكان القوّة، لأنّ القوّة تكون عنه. كذلك يستعيرون الحرف في الكلمة مكان الحرف فيقولون: (مدهته) بمعنى: (مدحته)، لأن (الحاء) و الهاء يخرجان جميعا من مخرج واحد. ويقولون للقبر: جدث وجدف، ويقولون: ثوم وفوم ومغاثير ومغافير لقرب مخرج الفاء من التاء . ويقولون: هرقت الماء وأرقته، ولصق ولسق، وسحقت الزعفران وسهكته، وغمار الناس وخمارهم. في أشباه لهذا كثيرة يبدلون فيها الحرف من الحرف، لتقارب ما بينهما. وكما يقلبون الكلام ويقدّمون ما سبيله أن يؤخّر، ويؤخرون ما سبيله أن يقدّم، فيقولون: كان الزناء فريضة الرجم أي كان الرجم فريضة الزّنى. ويقولون: كأنّ لون أرضه سماؤه يريدون: كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه. ويقولون: اعرض الناقة على الحوض، يريدون اعرض الحوض على الناقة.وكذلك يقدمون الحرف في الكلمة وسبيله التأخير، ويؤخرون الحرف وسبيله التقديم، فيقولون: جذب وجبذ، وبئر عميقة ومعيقة، وأحجمت عن الأمر وأجحمت، وبتلت الشيء، أي قطعته وبلّته، وما أطيبه وما أيطبه. ورجل أغرل وأرغل، وأعتقاه الأمر واعتقاء، واعتام واعتمى، في أشباه لهذا كثيرة. وكما يزيدون في الكلام الكلمة والمعنى طرحها، كقول الشاعر: يريد: أن تسخر.ويزيدون إذ، واللام، والكاف، والباء، وأشباه لهذا مما ذكرناه في باب المجاز- كذلك يزيدون في الكلمة الحرف، كما قال المفضّل العبدي: أي حنق.وقال الآخر: أراد: الكلكل.وأنشد الفرّاء: فزاد ضادا، في أشباه لهذا كثيرة.وكما يحذفون من الكلام البعض إذا كان فيما أبقوا دليل على ما ألقوا فيقولون: واللّه أفعل ذاك، يريدون: لا أفعل. ويقولون: أتانا فلان عند مغيب الشمس، أو حين. أي حين كادت تغيب. وقال ذو الرّمة يذكر حميرا: أراد: وحين أقبل الليل.
|